------- كلمة الأمين الوطني الاول للأفافاس ---------
نحن اليوم مجتمعون أمام النصب التذكاري لإفري أوزلاقن من أجل إحياء الذكرى الستين لمؤتمر الصومام.
بعد البيان التاريخي لأول نوفمبر 1954 وهجمات الشمال القسنطيني في 20 أوت
من سنة 1955، أصبح مؤتمر الصومام كذلك حدثا سياسيا و تاريخيا بارزا في
مسيرة الثورة الجزائرية.
كان مؤتمر الصومام، طبعا، حدثا سياسيا
كبيرا: حدثا كبيرا بنوعية المشاركين، حدثا كبيرا بأهمية القرارات المتخذة.
هذه القرارات التي أثرت على المسيرة المتبقية لحرب التحرير الوطني و وقع
بعضها مازال محسوس حتى اليوم و أقصد هنا بطبيعة الحال أولوية السياسي على
العسكري.
نعم، ان مؤتمر الصومام أعطى دفعا ونفسا جديدين للكفاح ضد القوة الإستدمارية الفرنسية.
مواطنونا الأعزاء،
هنا في إفري أوزلاقن، ولدت الأرضية السياسية لمؤتمر الصومام، الهيئات
المسيرة للثورة الجزائرية (لجنة التنسيق و التنفيذ، و المجلس الوطني للثورة
الجزائرية) و كذلك تم تحديد هياكل الأفالان و جيش التحرير الوطني.
هنا في إيفري أوزلاقن، أثناء هذا المؤتمر تم وضع استراتيجية التحرير الوطني و في نفس الوقت تم بناء إجماع وطني حول هذه المسألة.
هذا الإجماع ساهم كدعامة دولية من أجل تشكيل حكومة مؤقتة للثورة الجزائرية.
هنا في إيفري أوزلاقن، تم وضع مبدأ أساسي لإكمال حرب التحرير و بناء
الدولة الجزائرية الديمقراطية و الاجتماعية كما ابتغاه الشعب الجزائري.
هذا المبدأ هو أولوية السياسي عن العسكري. هذا المبدأ يؤسس لاحترام
الارادة الشعبية، دولة القانون و الدولة الديمقراطية. الى اليوم هذا
المبدأ يتطلب أن يحترم و يطبق.
مواطنونا الأعزاء،
نحن مجتمعون اليوم للانحناء أمام روح المقاومة الألفية لنساء و رجال هذا الوطن.
أبناء هذا البلد عاشوا تجارب رهيبة و معاناة كبيرة، و قاموا بتضحيات ضخمة
من أجل تقرير مصيرهم و استرجاع السيادة و الاستقلال لوطننا الحبيب.
ان انعقاد مؤتمر الصومام في ظرف تميز بمحاصرة المنطقة من طرف الجيش الاستعماري كان من ضرب المستحيل ولكن المهمة تمت على ما يرام.
المؤتمر لم ينعقد لا إلا بواسطة العبقرية التنظيمية لإطارات الثورة،
بواسطة شجاعة مكافحي جيش التحرير الوطني و الحماية التي وفرها لهم الشعب
وبالخصوص سكان هذه المنطقة.
مواطنونا الاعزاء،
كل أولئك
الذين أرادوا تحضير و تنظيم و ضمان نجاح هذا الحدث التاريخي كانوا جزائريين
و جزائريات مثلكم و مثلي. لقد استطاعوا أن يرتقوا إلى حجم الرهانات و
المهمات التي كانت تقتضيها تلك اللحظة التاريخية. لقد تمكنوا من جمع
الامكانيات الازمة لمواصلة، توسيع و تكثيف المعركة التحريرية.
مواطنونا الأعزاء،
فرحتي بتواجدي هنا معكم مموجة بكثير من الالم ,الاسى و الحزن. إنها المرة
الأولى التي نحيي فيها ذكرى مؤتمر الصومام في ضل غياب القائد التاريخي،
مؤسس حزبنا، المناضل والمجاهد الراحل حسين أيت أحمد.
انه من واجب
قول الحقيقة، انه من الواجب التاريخي التذكير بأن حسين أيت احمد كان من
القادة التاريخيين، من أولئك اللذين صادقوا على قرارات مؤتمر الصومام دون
تردد. لقد اعتبر دائما 20 أوت 1956 جزء لا يتجزأ من أول نوفمبر 1954. و
كان يبتهج لأن “هاذين التاريخين من ماضينا يثيران اهتمام متزايدا لدى
الشباب و النخب المحلية و الجهوية”. كان يرى في ذلك “إرادة” لإعادة الإدماج
و التأصل في حاضر و مستقبل أمتهم.
مواطنونا الأعزاء،
نعم هو يوم جميل، ذكرى جميلة من أجل إعادة إحياء، تجديد، الحفاظ و ارساء روح الاستقلال، روح الوطنية والأمل الديمقراطي لدى شعبنا.
إن هذه الروح هي أساس وحدة وطننا و إرادة الدفاع عنه.
ماذا يمكننا أن نفعل اليوم من أجل إعادة التحكم في مصيرنا، في شفافية، دون ديماغوجية ودون والوعود الكاذبة؟
غداة الاستقلال كان لدينا كل الحظوظ و كل الآمال كانت متاحة. أردنا بكل
شغف و وعي تجسيد أفكــار و مبادئ الثورة. كنا نحس بقدرتنا على تحطيم كل
الحواجز، على مواجهة كل التهديدات و رفع كل التحديات.
اليوم،
الديمقراطية، دولة القانون والتنمية غائبة عن موعدها. وطننا يعيش مرحلة
صعبة ومحفوفة بالمخاطر. مسألة الشرعية، الاستقرار، اللحمة و التجانس
الوطني و الإنصاف الاجتماعي حتى و ان تم عرضها في إطار وطني، لازالت تتلقى
إجابات جزئية و غير حيادية. كان من الأجدر أن تطرح هذه المسائل على الأقل
في إطار نقاش ديمقراطي ومواطناتي من اجل اجتناب عودة العادات السيئة و
الانشقاقات في المجتمع.
هل بإمكاننا غدا مواجهة الاضطرابات الجيو
سياسية التي حصلت في العالم و في منطقتنا؟ من دون شك هذه الاضطرابات لديها
وقع حقيقي على بلادنا. هل بإمكاننا التخلص من الإشراف و الرقابة على
اقتصادنا من طرف القوى التي تصنع النظام العالمي الجديد؟ الرهان هو سيادتنا
ليست الاقتصادية فقط بل السياسية خاصة.
ألم نرى بلدانا فرضت عليها
أجندات، تعديلات دستورية، سياسات عمومية ، بالخصوص ضريبية و نقدية، لأن
حكامهم وجدوا نفسهم متواطئين أو رهائن في يد أقطاب سياسية ومالية و
اقتصادية خارجية.
مواطنونا الأعزاء،
اليوم نعيش عولمة موسومة بعلامات اللاأمن ، الهشاشة، فقر مجتمعنا و التصدع المتنامي للدولة و المؤسسات.
ألم نرى بلدانا قطعت أوصالها، هدمت و دمرت بعد أن حطمت الدولة الوطنية و
عجز الحكام و تعنتهم في ايجاد التغييرات الضرورية من أجل الاستقرار
الداخلي لبلدانهم؟
بالنسبة لنا الاشكالية الأساسية هي هل باستطاعتنا غدا إنقاذ الدولة دون إنقاذ النظام؟ هل يمكننا الخروج من المأزق؟ كيف العمل؟
مواطنونا الأعزاء،
نحن من أولئك الذين يناضلون، نحن من أولئك الذين لديهم الأمل.
ان وضعية البلاد اليوم جد صعبة و لكنه يمكن لنا الخروج من هذا المأزق لأنه لا يوجد شيء لا يمكن تجنبه و لا رجعة فيه.
لا يزال بوسعنا بناء أمتنا بناء ديمقراطيا. لا يزال بوسعنا بناء مجتمعنا حول ما نعتبره ضروريا.
من أجل ذلك يجب أن نتحلى بإرادة حقيقية، بالوطنية، بالرزانة، بالطاقة اللازمة، بالالتزام النضالي، بالتشاور و سعة الخيال.
من أجل ذلك يجب أن نتحلى بالنزاهة و قول الحقيقة من أجل الوصول إلى وعي
جماعي. هذا الوعي يعتبر شرط أساسي من أجل توفير وسائل التغيير، من أجل بناء
خريطة ومشروع وطني لم نعثر عليه بعد و من أجل خلق ديناميكية و استراتيجية
تغيير دون الانحياز على مبادئنا التأسيسية و الأساسية.
مواطنونا الأعزاء،
نحن بحاجة لتقييم جماعي و دقيق لخياراتنا السياسية، الدبلوماسية، العسكرية، الاقتصادية، الطاقوية، الفلاحية و الصناعية…الخ
يجب علينا التحقق من تجانس هذه الخيارات فيما بينها.
ان قراراتنا و مساعينا اليوم سيكون لها تأثير لا محالة على جزائر الغد بالنظر للظروف الوطنية و الدولية التي نعيشها.
مواطنونا الأعزاء،
اننا نريد أن نعطي معنا كاملا و مكانة كاملة للعمل السياسي، للإرادة
الوطنية كثمرة لمداولات جماعية وديمقراطية. نحن نريد أن نضع السياسة في
قلب مؤسساتنا، في قلب سياساتنا العامة وفي قلب اقتصادنا.
كما كان في
الأمس في مؤتمر الصومام، نحن نفضل اليوم استراتيجية سياسية و تعاقدية من
اجل الخروج من الأزمة. يمكننا تعزيز وحدة وطننا بالحفاظ على التعددية و
التنوع اللذان يزخر بهما مجتمعنا.
في الأفافاس سنواصل البحث عن
السبل ،عن الوسائل التي تمكننا من بناء إجماع وطني رغم كل المقاومات و
الحواجز التي تلقيناها في مسيرتنا. .
هناك قوى سياسية و اجتماعية في
السلطة و في المجتمع تعارض الإجماع الوطني و هذا راجع لأسباب سياسية و من
أجل المحافظة على الوضع القائم و حالة الجمود التي تمكنها من التموقع و
هذا بمنطلق إيديولوجي أو من أجل مصالحها الضيقة.
بالنسبة لنا،
اليوم كالأمس، الرهان يكمن في استعادة السيطرة على مصيرنا. كلنا مطالبون
بالتحلي بروح المسؤولية و بتجاوز التناقضات الإيديولوجية من أجل بناء عقد
سياسي مشترك، عقد وطني.
لا يوجد بديل للإجماع الوطني سوى البحث عن
الفوضى و الدمار. بالنسبة لنا فنحن لازلنا متفائلين لأننا متيقنين بأنه لا
مفر من الإجماع الوطني. هذا الاجماع سنبنيه مع، ضد أو بدون القوى التي
تعارضه لأن الميول الحقيقية للشعب هي لصالح الإجماع الوطني.
سنبني
هذا الإجماع الوطني إنشاء الله بالشعب، مع الشعب و من أجل الشعب. بدأنا
بإجماع نوفمبر و مؤتمر الصومام وسنمضي قدما لإجماع وطني في الوقت الحاضر.
من إجماع تحرير الأرض سنمضي قدما لإجماع تحرير الشعب.
كلنا مع بعضنا
البعض، نساء و رجالا سنشيد الجزائر الحرة و السعيدة وسنعمل على بناء
جمهورية ثانية، دولة ديمقراطية و اجتماعية، دولة الحريات و دولة التعدديات.
الجزائريين والجزائريات يريدون و يستطيعون فعل ذلك بشرط ان تتوفر الإرادة
الجماعية لتجميع وتحرير الطاقات.
لم يعد هناك مكان للديماغوجية، للطائفية و الوعود الكاذبة. يجب علينا ككل تجاوز المصالح الحزبية الضيقة و المصالح التي تخدم العصب.
مواطنونا الاعزاء،
تطلعاتنا للغد هي عبارة عن معارك صعبة في كل الميادين.
بالطبع، نحن مناضلون و أملنا يكمن في تعبئة الجماهير الشعبية. لا نؤمن
بالمعجزات، لا نؤمن بالمهدي المنتظر لأننا نعتبر بأن الملجأ الأخير هو
اللجوء إلى الشعب، الملجأ الأخير هو بناء مؤسسات عادلة وقوية تتمتع بانخراط
الشعب و موافقته.
مواطنونا الاعزاء،
اننا لا نؤمن بإصلاحات أين القمع السياسي و القانوني يدعم القمع الاقتصادي.
لا نؤمن بالنظام الاقتصادي الجديد أين لا توجد إلا سياسات التقشف، لا
نؤمن بنظام اقتصادي لحكومة ليس باستطاعتها الإعلان بصفة واضحة على سياستها
المالية والاقتصادية.
لا نؤمن بنجاح سياسة، التي بعد مدة طويلة من
الدهر، التماطل و التردد، تختار طريق المرور بالقوة دون أدنى تقدير
للاعتبارات الاجتماعية الدراماتيكية التي تعصف بفئات واسعة من الشعب.
مواطنونا الاعزاء،
نحن نؤمن بدولة الحق، ولهذا سنواصل الكفاح من أجل كل الحريات و التعددية.
نحن نؤمن بدولة القانون ، ولهذا سنواصل المطالبة و المشاركة في الكفاح
الحقيقي ضد الفساد بكل أشكاله، الكبير و الصغير و من أجل استقلالية
العدالة.
نحن في الأفافاس سنواصل تجنيد الشعب حول مصالحه و تمنياته.
سنعمل من أجل إعادة بناء الروابط الاجتماعية التي دمرت و لإعادة خلق معاني التضامن في مجتمعنا.
نعول و بدون تحفظ على الشباب من أجل تشيد بنية الجيل الوطني الجديد، كما
سندعم بكل قوانا كفاح النساء من أجل حريتهن بغرض جعلهن فاعلات سياسيات،
اقتصاديات و اجتماعيات كاملات غير منقوصات.
مواطناتنا، مواطنونا الأعزاء،
حزبنا حزب الأمل، حزبنا هو صمام الاستقرار للبلاد، حزبنا قوة تغيير تتمنى
العمل مع كل قوى التغيير الأخرى الديمقراطية و السلمية. حزبنا حزب
المقترحات.
نحن ندعو لحوار بدون إقصاء و لكن نعرف تماما كيف نتحلى
بالصرامة الضرورية لما يتعلق الأمر بالولاء لعهدي نوفمبر و الصومام، لما
يتعلق الأمر بالتزاماتنا الأساسية و احترام مبادئنا التأسيسية. لن نتخلى
عنها أبدا.
تحيا الجزائر حرة و ديمقراطية
تحيا الأفافاس
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار